إن أوجب الواجبات على كل مسلم في هذا الوقت العصيب الحرص على وحدة الشمل على جمع الصف على عدم الفرقة بين المسلمين على عدم إثارة الخلافات والمنازعات بين الموحدين أن نكون كما قال الله في ألسنتنا أجمعين{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} لا نقول لإخواننا إلا خيراً ولا نقول في حقهم إلا براً لا نغتاب أحداً من المسلمين فإن صغير المسلمين عند الله عظيم ولا نحقر واحداً من المؤمنين فربما يكون له شأن كبير عند أكرم الأكرمين لأنه يقول في قرآنه{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
نظن بإخواننا المؤمنين أجمعين الخير كل الخير لأن الله لم يطلعنا على قلوبهم والأعمال بالنيات والمكافأة عند الله بالسرائر الطيبات وما دمنا لم نطلع على الأسرار فكيف نحكم على إنسان لم نرى معاصيه أنه من الأشرار أو بأنه من الفجار؟ لسانه ينطق بالتوحيد وأحكم عليه أنه من الكفار لا يليق هذا بأي مسلم يؤمن بالله ويتابع حبيب الله ومصطفاه كفوا عن التنفير واجمعوا المسلمين وليكن لنا أسوة في الرحمة العظمى للخلق أجمعين يجب أن يكون المسلمين فيما بينهم متراحمين فإن الله يجيب كل دعاء إلا نزول الرحمة كيف تنزل الرحمة من الله علينا؟ قال صلي الله عليه وسلم في ذلك{ارْحَمُوا مَنْ فِي الأرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}[1]
نحن في حاجة إلى صحوة أخلاقية فالحمد لله كلنا يؤدي العبادات لكن نحتاج إلى صحوة أخلاقية تطابق فيها أخلاقنا أخلاق كتاب الله وأخلاق حبيب الله ومصطفاه حتى نكون محسنين إلى هذا الدين ونحسن عرضه على العالم أجمع فإننا نعرض الإسلام على غيرنا بأخلاقنا وليس بصلاتنا وصيامنا وعباداتنا فصلاتنا وصيامنا وعباداتنا بيننا وبين الله لكن الخلق ينظرون إلينا الآن فقد تفرق جمعنا وقد أخذنا نسب في بعضنا ونشتم كبارنا ولا نرحم صغارنا والكل يتوعد أخيه والكل يجهز السلاح ويستعد للضغط على الزناد ليميت أخيه وكأن هذا جهاد لليهود وكأن هذا جهاد للكافرين
أصبح الجهاد بين المسلمين والمسلمين بين المؤمنين والمؤمنين لا أتصور كيف لقلب خالط بشاشة الإيمان تطاوعه يده أن يمسك سكينا فيضرب به أهل الإيمان أو يدوس على زناد فيقتل رجلا يصلي لرب العالمين بحجة أنه على خلاف فيما بينه وبينه أي خلاف هذا؟ خلاف سياسي؟ خلاف حتى ولو كان شرعي؟ يجب أن تحتكم إلى من فوقك من الفقهاء وتذهبا سوياً إلى من هو أعلى منكما من العلماء لكن ما هكذا أمرنا الله ولا طلب منا رسول الله قال صلي الله عليه وسلم في المؤمن إذا ساب أخاه ورد عليه{الْمُسْتَبَّانِ شَيْطَانَانِ يَتَهَاذَيَانِ وَيَتَكَاذَبَانِ}[2] وقال في المؤمنين إذا رفع أحدهما السلاح على أخيه{إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ }[3]
لا ينبغي حتى لمسلم أن يقول كلمة لأخيه المؤمن يؤذيه بها أو يعيبه بين الخلق بها فقد قال صلي الله عليه وسلم {مَنْ أَشَاعَ عَلَى امْرِئٍ مُسْلِمٍ كَلِمَةَ بَاطِلٍ لِيُشِينَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُذِيبَهُ بِهَا مِنَ النَّارِ حَتَّى يَأْتِيَ بِنَفَاذِهَا}[4] لأنه بقول كلمة يعلم علم اليقين أن أخاه بريء منها ولكنها تهمة فاشية دفعته إليها النفس الإبليسية من أجل أن يسيء إلى أخيه بين الخلق أو يشنع عليه بين الناس بئس هذه الصفات وبئس هذه الأخلاق فإن المؤمنين يقول فيهم سيد الأولين والآخرين {مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى}[5] نريد أن ترجع بيننا الألفة والمودة أن تمتلئ قلوبنا بالحب لجميع الأحبة أن تكون نياتنا كلها خالصة ومخلصة لله حتى يزيح الله عنا هذه الغمة ويجمع شملنا ولا يشمت الكافرين واليهود ومن عاونهم فينا ويجعلنا في خير حال
[1] سنن الترمذي والبيهقي [2] مسند الإمام أحمد عن عياض بن حمار [3] الصحيحين البخاري ومسلم وسنن أبي داود [4] الطبراني و الجامع في الحديث لابن وهب [5] صحيح مسلم عن النعمام بن بشير
أمراض الأمة وبصيرة النبوة
منقول من كتاب [أمراض الأمة وبصيرة النبوة]